في زمنٍ ينهمك فيه اللبنانيون في الداخل بأزماتهم التي لا تنتهي، ويعجزون عن القيام بالحدّ الأدنى من واجباتهم، معرّضين صورة لبنان في الخارج للتشويه المتعمّد، لا يزال هناك في العالم من يصرّ على إعطاء صورةٍ مضيئةٍ لبلدٍ لا يمكن أن ينكسر.
كريس شاهينيان لبنانيٌ يعيش في الولايات المتحدة الأميركية، وتحديداً في ولاية كاليفورنيا، منذ أكثر من عقدين. يخوض اليوم سباقاً للدخول إلى مجلس الشيوخ من بابه العريض، متّكئاً على قِيَمٍ ومبادئ تزوّد بها من وطنه الأمّ، الذي يوجّه لأبنائه عبر "النشرة" رسائل في أكثر من اتجاه، عنوانها "اتحدوا"...
في بيروت وُلِدتُ
رغم مرور أكثر من 20 عاماً على إقامته في الولايات المتحدة الأميركية، لا يتنكّر كريس شاهينيان لهويته اللبنانية. حين يُطلَب منه أن يقدّم نبذة شخصية عنه، ينطلق من كونه وُلِد في بيروت قبل ستة عقود.
يستعيد شاهينيان، في حديثٍ خصّ به "النشرة"، هذه المرحلة من عمره، حيث يلفت إلى أنّه تلقى تعاليمه الأساسية في إحدى المدارس الأرمنية في بيروت. يقول أنّه، إلى جانب اللغتين الأرمنية والإنجليزية، تعلّم اللغة العربية، كما اطّلع على تاريخ لبنان، والتزم بحضور مختلف الصفوف، ومتابعة كلّ المواد الإلزامية.
يشير إلى أنّه مقيمٌ، ومنذ أكثر من عشرين سنة، في مدينة باسادينا في ولاية كاليفورنيا، حيث أنشأ عمله الخاص، إضافة إلى كونه أباً لثلاثة أولاد. ويلفت إلى أنه تبوّأ مراكز قيادية عديدة في المدينة، كما أنّه كان عضواً في مجلس المدينة، وكذلك في مجلس إدارة جمعية "Rose Bowl" الشهيرة.
وإذا كان شاهينيان نال جوائز تقديرية من المعاهد والجمعيات ومن مؤسسات حكومية كالجائزة التقديرية من حاكم كاليفورنيا ارنولد شواتسينيجر والسيناتور بربرا باكسر ومن عضو ممثل كاليفورنيا في واشنطن آدم شيف ورئيس بلدية باسادينا بيل بوجارد، فإنّ الرجل يحرص على القول أنّ خلفيّته الأرمنية وتربيته اللبنانية لعبتا دوراً أساسياً في ما أصبح عليه اليوم كرجل أعمال ناجح، كما كوّنتا في داخله القيم والمبادئ التي توارثها عن أهله.
هذه هي أهدافي!
شاهينيان مرشح للمقعد رقم 25 في الانتخابات الاميركية المقبلة كي ينضمّ إلى مجلس الشيوخ لولاية كاليفورنيا. ولكنّه مرشحٌ على أساس برنامجٍ انتخابي، يختصره عبر "النشرة" بخمسة عناوين أساسية، على الشكل الآتي:
"أولاً، التعليم (Education). لديّ ثلاثة أولاد في المدارس العامة، ويستحقون الأفضل. نظام التعليم ليس مثالياً، ولا الأساليب المتبعة من خلاله. علينا أن نقدّم للتربية والتعليم الأولوية، وذلك يتطلب توفير كلّ الأدوات والموارد.
ثانياً، العودة إلى كاليفورنيا (Back to California). أعرف الكثير من الأشخاص الذين يفقدون الأمل والعمل. لا يجب النظر إلى كاليفورنيا فقط كمكان جميل تجدر زيارته. صحيح أنّ الناس من كلّ العالم يحبّون بحر كاليفورنيا والمنظر الخلاب والجذاب، ولكن رجال الأعمال يغادرون كاليفورنيا للعديد من الأسباب، وهذا ما يجب التوقف عنده.
ثالثاً، توفير فرص عمل جديدة (Creation of New Jobs). أولادنا يحتاجون لفرص عمل جديدة، وفي حال استطعنا توفير مثل هذه الفرص، نستطيع الحدّ من الجريمة والترويج للعمل.
رابعاً، الأمن (Security).
خامسًا، كاليفورنيا والعالم (California and the world). بصفتي أرمنياً، دعمت المجتمع الأرمني المسيحي في باسادينا. لقد خدمت كنائب مدير في البعثة إلى أرمينيا قبل خمس سنوات لتنسيق المساعدات الإنسانية.
في حال تمّ انتخابي، سأعمل على تأسيس شراكة تجارية بين كاليفورنيا والعالم الحر. علينا أن لا ننسى أنّ ميزانية كاليفورنيا أكبر من ميزانية 30 دولة صغيرة. لبنان سيكون بين الدول التي سأحرص على تعزيز العلاقات الاقتصادية بينه وبين كاليفورنيا".
الناس أولاً...
لحملة شاهينيان الانتخابية شعارٌ أساسي هو "الناس أولاً" (Putting People First). يختصر هذا الشعار طموحه وهدفه، يقول لـ"النشرة"، مضيفاً: "لقد عملت في شتّى المجالات والميادين كمتطوع، وشاركت في نشاطات تربوية، اقتصادية وإنسانية، كما أنني أسّست جمعية لا تتوخى الربح وتعنى بالحفاظ على التراث الأميركي الأرمني. كنت دائماً في خدمة الناس، والناس استطاعوا أن يلمس إنجازاتي ويقدّروا جهودي. ولهذا أعتقد أنّهم سيفضّلونني على المرشحين الآخرين".
يبقى التعليم أولوية بالنسبة له، وتشمل خطته لتعزيز هذا القطاع أبعادًا مختلفة، كما يختصرها لـ"النشرة":
- بالنسبة للطلاب، نظام تعليمي قائم على الأبحاث والمشاريع، مع دمج بين النظرية والتطبيق.
- بالنسبة للأساتذة، التعليم بوصفه تمهّناً (Apprenticeship).
- بالنسبة للمدارس، التكنولوجيا والموارد.
- بالنسبة للمجتمع: مشاركة وشراكة.
يخافون المشاركة؟!
حين يُسأل عن تقييمه لعمل حملته الانتخابية حتى اليوم، يبدي شاهينيان حماسة لافتة، حيث يؤكد تفاؤله تارة، ويصف فريق عمله بالقوي تارةً أخرى. يقول أنّه التقى بالعديد من القادة الأرمن، اللبنانيين، العرب، والأميركيين الأفارقة. ولكّنه يأسف لأنّ الأشخاص القادمين من الشرق الأوسط لا يبدون معنيّين بالاستحقاق كالأميركيين، ويقول أنّهم "يخافون" من المشاركة في النشاطات السياسية. ويضيف: "أشرح لهم باستمرار أنّ الحكومة هي في خدمة الناس، وليس العكس".
أما المنافسة، فلا يهابها شاهينيان، الذي يقول أنّه يدرك أنّ إرضاء الجميع واجتياز كلّ المشقات أمرٌ صعبٌ نظراً للنظام الديمقراطي المتبع. ولكّنه يردف قائلاً: "إنجازاتي في الماضي وخططي للمستقبل معروفة حيث أقطن. الأمر يعود للناخبين ليختاروا قائداً سيخدمهم. ولهذا أعتمد "الناس أولاً" كشعارٍ لحملتي الانتخابية".
يرفض القول أنّ المركز الذي يترشّح له ليس أساسياً، كونه بعيدٌ عن السياسة. يقول في هذا السياق: "بشكلٍ عام، الإعلام الدولي يهتمّ بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية، لكنّه لا يدخل في التفاصيل في ما يتعلق بالشؤون الداخلية. أنا مرشح على مركز يعنى مباشرة بشؤون كاليفورنيا وأهلها، وفي حالتي هذه، أعتبر ترشيحي أساسياً وجوهرياً، وأعتقد أنّ تأثيره سيكون إيجابياً".
اضطهاد وتهجير وظلم
جذور شاهينيان الأرمنية لم تُنسِهِ القضية الأساس بالنسبة له ولجميع نظرائه الأرمن حول العالم. هو يتحسّر حينما يرى معاناة الأرمن، التي لا يبدو له أنّها ستنتهي. وهنا، يقول لـ"النشرة" أنّ الشعب الأرمني عانى الكثير لقرونٍ خلت، من الاضطهاد إلى التهجير والظلم ومصادرة الأراضي.
ومع ذلك، يعتبر شاهينيان أنّ الأمور اليوم اختلفت، "ففي العام، 1915، لم يكن هناك تلفزيون ولا أقمار صناعية ولا إنترنت لنقل المجازر والمذابح التي تعرّض لها الأرمن. ولكن شكراً لله، اليوم العالم بأسره قادر على أن يشاهد بأم العين الأعمال الوحشية التي تقترفها أذربيجان".
وإذ يلفت إلى أنّ 95 بالمئة من سكان إقليم ناغورني قره باخ هم من الأرمن، يشدّد على أنّ هذا الإقليم هو للأرمن، وهو واحد من 15 محافظة أرمنية تاريخية. ويضيف: "على الأقل، هكذا ينظر إليه 10 مليون أرمني".
"إركع تحت أحلى سما وصلّي"
وللبنان أهمية كبيرة في نفس شاهينيان. "لبنان هو البلد حيث ولدت"، يقول لـ"النشرة"، "فيه فتحت عينيّ وأدركت أنّ هذا البلد الذي استقبل أجدادي، هو أرض مباركة، جميلة، غنية بالتاريخ، وتوراتية". ويكشف أنه زار لبنان أكثر من مرّة، ويقول أنّه يحنّ إلى منزله، أقربائه، مدرسته، وأصدقائه من الأرمن وغير الأرمن.
لا يدخل شاهينيان في تفاصيل السياسة المحلية، ولكنّه يؤكد لـ"النشرة" أنه يتابعها. أما رسالته للشعب اللبناني، فيختصرها بعنوان "اتّحدوا"، ويردف قائلاً أنّ لبنان يجب أن يتعالى على المصالح الشخصية والفئوية. ويقول للبنانيين: "لبنان بلد تستطيعون فيه أن تحافظوا على قيمكم، وتعزّزوا مواهبكم، وتستمتعوا في الوقت نفسه بحياته الاجتماعية".
ويختم شاهينيان حديثه لـ"النشرة" بالقول أنّه يتذكّر دائمًا أغنية فيروز "إركع تحت أحلى سما وصلّي"، ويقطع وعداً أنه سيغنّيها مجدّداً في زيارته المقبلة للبنان...